الاثنين، 2 فبراير 2009

الصحافة في ليبياتاريخها وأبرز محطاتها

تسلط ورقة التضامن لحقوق الإنسان الضوء على المشهد الصحفي الليبي بشكل أوسع، والعقبات التي تقيد حرية الصحافة والقوانين التي من خلالها تنتهك حرية الصحافيين.
يعود تاريخ الصحافة في ليبيا إلى وقت مبكر.. ففي عام 1827 أنشأ عدد من قناصل الدول الأوروبية في طرابلس صحيفة ((المنقب الأفريقي)) ناطقة بالفرنسية، وهي أقرب إلى أن تكون معبرة عن لسان حال المستعمرين في ذلك الوقت.
وفي عام 1866 وفي ظل إصلاحات قام بها الوالي العثماني محمود نديم باشا، أنشئت أول صحيفة ناطقة بالعربية والعثمانية وهي جريدة "طرابلس الغرب".
وتعتبر حقبة العثمانيين أو الأتراك في ليبيا مرحلة تأسيس الصحافة، وعلى الرغم من استبداد بعض الولاة وقمعهم للحريات، إلا أن البلاد شهدت ظهور عدد من الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، ولابد من الإشارة هنا أن إلى أن المادة الثانية من قانون المطبوعات العثماني عام 1909 ينص على "أحقية كل شخص بلغ عمره 21 عاما في إصدار صحيفة يومية أو أسبوعية أو مستقلة"، كما شهدت البلاد إدخال مطابع خاصة.
ومع دخول الاستعمار الايطالي لليبيا عام 1911 دخلت الصحافة في ليبيا حقبة سوداء، حيث تمت مصادرة المطابع، واستولت السلطات العسكرية عليها.. كما استبدلت جريدة "طرابلس الغرب" بـ "إيطاليا الجديدة"!.
وتوجه جل الصحافيين الليبيين إلى إنشاء صحف سرية أو في المناطق التي لا تسيطر عليها إيطاليا، وكانت ذات طابع نضالي يدعوا إلى مقاومة المستعمر وإخراجه من البلاد.
في عام 1943 ومع خروج الاستعمار الإيطالي ودخول ليبيا تحت الإدارة البريطانية شهدت الصحافة في ليبيا بداية تأسيس جديد، وعلى أسس أقرب إلى الصحافة المعاصرة اليوم، وقد صدر في ذلك العقد من الزمن ما يقرب عن 20 صحيفة، وذلك بسبب نشاط الأحزاب والقوى السياسية، نشاطا لم تعهده ليبيا طوال تاريخها المعاصر.
ومع نيل البلاد استقلالها في ديسمبر 1951 وقيام دولة ليبيا الحديثة، وعلى الرغم من حكومات الملك إدريس السنوسي ألغت الأحزاب السياسية، إلا أن الأرقام التالية تعكس مدى نشاط الصحافة في ذلك الوقت: فقد صدرت 14 صحيفة يومية وأسبوعية، و13 مجلة شهرية أو نصف شهرية و8 صحف ناطقة باللغة الانجليزية و3 صحف ناطقة باللغة الايطالية. وكانت نسبة الصحف المستقلة تبلغ 65 في المائة، بينما لا تتعدى نسبة الصحف الحكومية 35 في المائة.
ولم تخل تلك المرحلة الملكية في ليبيا من انتهاكات وقعت على الصحافيين كما حدث مع إيقاف صحيفة نقابة العمال (الطليعة) عام 1961، وأوقفت السلطات في عام 1964 ثلاث صحف عن النشر.
ومن المهم الإشارة على أن قانون المطبوعات الصادر بمرسوم ملكي رقم 11 عام 1959 نص في مادته الأولى على أن: "الصحافة والطباعة حرة ولكل شخص الحق في حرية التعبير عن رأيه وفي إذاعة الآراء والأنباء بمختلف الوسائل..." وأعطى الحق لكل مواطن أو أجنبي مقيما في ليبيا الحق في إصدار صحيفة أو مجلة أو إذاعة. كما لم ينص القانون على أي شروط تلزم صاحب الصحيفة بأن يتبع "سياسات البلد وتوجهات الدولة".
في عام 1969 ومع قيام "ثورة سبتمبر " ودخول البلاد تحت حكم مجلس قيادة الثورة الذي ترأسه العقيد معمر القذافي، بدأ هؤلاء الضباط بمصادرة الصحف الخاصة وتقليص الصحف الصادرة عن الهيئات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وإنشاء صحف ذات "لون ثوري موجه"، ودخلت الصحافة في ليبيا مرحلة "ثورجة الجرائد وأدلجتها ولم يعد المجال مسموحا بإنشاء صحف خاصة أو مستقلة"، وصدرت أول صحيفة يومية في 20 / 10 / 1969 تحت اسم "صحيفة الثورة".
وفي الشهر التالي صدرت صحيفة الجندي ثم الفجر الجديد في عام 1972 والفاتح أسبوعية في عام 1974 .
كما تم تقديم عدد من الصحافيين الليبيين للمثول "أمام محكم الشعب"، بسبب كتاباتهم "المخالفة لتوجهات الثورة الليبية"، كما اعتقل عشرات من الصحافيين الليبيين ضمن 700 مثقف وكاتب تم اعتقالهم في عام 1973.
هذا على مستوى الإجراءات، أما على مستوى قوانين المطبوعات فقد صدر في عام 1972 قانون رقم 76 باسم مجلس قيادة الثورة، وينص في مادته الخامسة على أنه لا يجوز لأي إنسان إصدار صحيفة أو إنشاء مطبوعة "ما لم يكن مؤمنا بالثورة وأهدافها"، وتنص الفقرة الثامنة من نفس القانون على أنه لا يحق لكل من تمت محاكمته بقوانين "حماية الثورة" أو مثل أمام "محكمة الشعب" إصدار صحيفة أو مطبوعة.
وفي نفس العام (1972) تلا ذلك القانون قانون جديد ينص على إنشاء "المؤسسة العامة للصحافة" والذي خول هذه المؤسسة فقط الحق في إصدار الصحف والدوريات والمجلات والنشرات بما يخدم "أفكار الثورة"، واعتبر ذلك الإعلان آخر عهد لليبيا بالصحافة الخاصة والمستقلة، وبداية دخول البلاد في مرحلة "تأميم الصحافة"، ومنذ ذلك الوقت وإلى تاريخ اليوم لا تزال المؤسسة العامة للصحافة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها إصدار الصحف.
ومنع منذ ذلك التاريخ المواطنون الليبيون من ممارسة حقهم في إصدار الصحف الخاصة، كما منعوا من الكتابة والتعبير عن آرائهم التي قد لا تتفق مع رؤى النظام السياسي القائم، وأصبحت مثل هذه الكتابات سببا كافيا للاعتقال والسجن، والمثول أمام محاكم لا تمتلك أبسط معايير وأسس المحاكم العدالة.
ومع عام 1973 وإعلان ما يعرف "بالثورة الثقافية"، تم إعلان "سلطة الشعب" في 1977 وإنشاء حزب "حركة اللجان الثورية" على الرغم من منع الأحزاب في ليبيا، بات مشهد الصحافة في ليبيا أكثر تضيقا وقمعا.
وبدأت مليشيات "اللجان الثورية" المسلحة، تمارس إرهابا فكريا معلنا على الصحافيين الليبيين، مما دفع بعشرات الصحفيين الليبيين المتميزين إلى مغادرة البلاد أو البقاء في البيوت خوفا من بطش تلك المليشيات التي كانت تنفذ عمليات قتل خارج القانون، وترهب الكتاب والمثقفين بالقول والفعل.
أما اليوم فِإن المشهد الصحافي الليبي وصل حالة من الفشل والتراجع، على مستوى القوانين وعلى مستوى الواقع، فاليوم ليبيا لا يوجد بها سوى 4 صحف رئيسية فقط، ثلاثة منها (الجماهيرية والشمس والفجر الجديد) تابعة للمؤسسة العامة للصحافة، وواحدة (الزحف الأخضر) تتبع حزب "حركة اللجان الثورية"، الجهة الوحيدة التي من حقها أن تصدر الصحف.
ولا تتعدى مبيعات هذه الصحف 4 آلاف نسخة، بل إن بعضها تقلص إلى 1500 نسخة، يتم توزيعها على المؤسسات الحكومية بشكل إلزامي.
مهمة هذه الصحف تتمثل في الترويج لأفكار الكتاب الأخضر، والدعاية لثورة 1969، وتمجيد العقيد القذافي، الذي لا يمكن نقده أو نقد أفكاره بأي حال من الأحوال، كما لا يمكن نشر أي أفكار أو رؤى "تخالف توجهات الثورة ومبادئها".
ولا تعبر الصحف الرسمية اليوم عن واقع الليبيين وحياتهم، على العكس فإن المواطنين غالبا ما يتهمونها بالخداع وقلب الحقائق، مثل الحديث عن ازدهار البلاد وسعادة المواطن، ووجود المسكن وتوفر العمل، في الوقت الذي يوجد في ليبيا مليون فقير ومثلهم لا يملكون سكنا لائقا، ولا عملا مناسبا.
وبدلا من أن تلعب الصحف الموجودة في ليبيا دور السلطة الرابعة في كشف الفساد والحديث عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون والمواطنون وعن السجون وعمليان التعذيب التي تحدث بداخله وعن "مذبحة سجن أبوسليم" وعن "قتل الصحفي ضيف الغزال" وعن الفساد المنتشر، فإنها مع الأسف تحولت إلى أداة من أدوات النظام التي سخرها لخدمة أفكاره.
وعلى صعيد نقابة الصحافيين، فإن أهم ما يمكن ملاحظته خلال الحقبة الحالية فإن ما تسمى اليوم برابطة الصحافيين الليبيين تحولت هي الأخرى إلى أداة من أدوات النظام، فهي لا تملك حق إصدار بيان تشجب فيه تأخير البث في قضية قتل صيف الغزال، أو حتى السؤال عن قاتله، أو إصدار بيان في ذكرى مقتله، كما إنها لا تملك أي استقلالية في اتخاذ قرارها، وغالبا ما تتلقى توجيهات عملها من جهات حكومية عليا.
على صعيد الإعلام التلفزيوني، لا توجد في ليبيا سوى قناة تلفزيونية حكومية واحدة، وقد أنشئت مؤخرا قناة رياضية، وهناك حديث عن قناة فضائية ربما تنطلق قريبا يرأسها سيف الإسلام رئيس مؤسسة القذافي للتنمية، وشهد التلفزيون الليبي مؤخرا عرض بعض البرامج الجرئية نوعا ما، لكنه لا يزال بطيئا في مواكبة هموم ورصد الواقع الليبي، كما إنه يتحاشى الغوص في عمق القضايا السياسية والحكم وانتهاكات حقوق الإنسان.
على صعيد الإنترنت، لا تزال السلطات الليبية، تحجب جميع مواقع المعارضة الليبية في الخارج، وتوزع منشورات على أصحاب مقاهي ومحلات الإنترنت تحمل قوائم بأسماء المواقع التي تمنع دخول المواطنين إليها، وقد ضمت إليهم مؤخرا موقعا ليبيا يحظى بتفاعل كبير من الداخل وهو موقع (ليبيا اليوم) والذي يقول القائمون عليه إنهم ينتهجون "خطابا عقلانيا ومعتدلا"، إضافة إلى مواقع ليبية أخرى مثل "ليبيا وطننا وأخبار ليبيا وليبيا المختار وجبهة الإنقاذ وليبيا المنارة وليبيا المستقبل.. الخ".
وعلى الرغم من عمليات الحجب لتلك المواقع إلا أنها تشهد إقبالا متزايدا من الداخل، وتلقى قبولا كبيرا خاصة بين أوساط الشباب الذين يفضلون الدخول إليها بدلا من الدخول إلى مواقع الصحف الرسمية التي باتت شبه مهجورة.
وعلى صعيد السماح بتنقل الكتب والمجلات والصحف على ليبيا، لا تزال سلطات الرقيب الجمركي تمنع دخول جميع الصحف العربية والدولية، ولا تسمح إلا بدخول صحيفة "العرب الدولية" بسبب عدم انتقادها للنظام الليبي وآرائها المؤيدة له، كما لا تزال "مجلة عراجين"، وهي مجلة ليبية ثقافية تصدر من القاهرة، ممنوعة من الدخول إلى البلاد.
هذا هو واقع الصحافة في ليبيا.. لا يختلف عن أغلب الدول العربية ذات الحكم الشمولي، وإن كان يختلف في مساحات وهوامش التحرك التي تتسع في بلد وتضيق في بلد آخر.. وإنه لمن المؤسف حقا أن تبقى أوضاع الصحافة في ليبيا طوال 37 عاما جامدة منغلقة في الوقت الذي يفتح فيه العالم نوافذه على بعضه البعض في قرية العولمة التي حطمت جميع الحدود والحواجز، ودفنت مقص الرقيب ومشرطه العتيق إلى غير رجعة. وشكرا لكم مرة أخرى على حسن الاستماع.. التضامن لحقوق الإنسان 3 يناير 2006

ليست هناك تعليقات: